اصبحت الصورة واضحة ان الغلبة للتيار الاسلامي خاصة جماعة الاخوان المسلمين. لدرجة انه لم يكن هناك خلاف في الساحة المصرة ان القادمون هم الاخوان ان احدا لا يملك انت يوقف جماهيريتهم ولا اكتساحهم للانتخابات بتنظيماتهم [وهم الاخوان ركبوا الثورة].
في هذا الوقت ظهر قلق التيارات عير الاسلامية خاصة ان تلك التيارات طالما سعت لتنحية الاسلاميين لتفوز بفتات أكثر من اطباق النظام. ولما كان لهذه التيارات علاقاتها الدولية ورموزها القادرة على التأثير بالإضافة لرغبة المجتمع الدولي لاستمرارها فكان لابد من الابقاء عليها بل وطمأنتها. الخيار الاخر لم يكن متاحا وهو القبول بصورة مباشرة برغبة الشعب لأنه قد يأتي سيناريو مطابق لغزة حينما جاءت الانتخابات بحماس ورفضها المجتمع الدولي مع عدم قدرة القطاع على تحدي المجتمع الدولي. الامر الذي جعل اقوى التيارات الاسلامية متمثلا في الاخوان المسلمين للإعلان عن عدم ترشحها للرئاسة [نفس النهج الذي سيفعله مرسي في فندق فيرمونت فيما بعد].
وجدت فئة من التيارات الغير اسلامية الفرصة لها للدخول في الانتخابات وملأ فراغ الاخوان المسلمين وتمسكوا بمرشحهم. في الوقت الذي اندفعت الفئة الاخرى لتلك التيارات لدعم مرشحي النظام المخلوع املا في الحصول على فتنات أكثر من اطباق النظام بعد عودته. وهو ما جعل الساحة تتفتت ثوريا بمرشحين رفضوا ان يتنازل أيا منهم للأخر في الوقت الذي اتحدت فيه قوى الظلام خلف مرشحي النظام البائد. في ظل هذه المستجدات كان لابد لجماعة الاخوان المسلمين ان تدخل [كما فعلت في معركة البغال المشهور اعلاميا بموقعة الجمل] بمرشح لها املا في وقف عودة النظام خاصة بعد فشل المطالبة بتجريم ترشيح رموز النظام.
لم يصبر الفساد المنظم كثيرا فقد اطاح بأحلام الكثيرين من الاسلاميين وحتى غيرهم من اللبراليين فطفق مسحا بالسوق والاعناق. أصر على حرية الترشح للجميع وبينهم رموز قوى الظلام لكنه سمم الطريق على القوى الثورية وكل من شكل خطرا عليه. فكان منع ايمن نور وخيرت الشاطر. كما انه استغل الموقف للتخلص من احدج اقوى رموز النظام السابق الذي كانت بحوزته ادوات قادرة على ترويض النظام الا وهو عمر سلميان. فبعد محاولة اغتياله في ميدان روكسي. ظهر ان الرجل لديه القدرة على تحييد الكثيرين. ولا اظن الرجل كان في ذلك على خير او نية طيبة لكنه أصبح يهدد توزيع القوى خاصة مع تقديمه كرمز وطني قوي [مشابهة لمحاولة تلميعه جمال مبارك فتحول الامر لتلمعي علاء مبارك]. فتدخل المجلس العسكري اقوى اسلحة منظومة الفساد في ذلك الوقت ليمنع ترشحه في واحدة من أسخف ما عرفه تاريخ الترشحات. فقد ادعوا ان الرجل لم يحقق عدد الموكلين المطلوب في المحافظات. لينتهي الامر بهزيمة جديدة للثوار بعد هزيمته في مطالب القصاص وعدم الترشح وغيرها.
فسل محمد حازم أبو إسماعيل في تفعيل القانون والقضاء للعودة للمنافسة وبهذا يخسر التيار الاسلامي جل رموزه ويصبح جليا ان القادم هو مرشح القوى الظلامية أحمد شفيق الذي حصل على دعم من دول الخليج واولهم الامارات. فلم يعد لدى الاخوان الا استخدام البطاقة الاخيرة لديهم وهو الدفع برئيس حزبهم السياسي بعدما استفذوا توكيلاتهم ونواب البرلمان في خيرت الشاطر. وهكذا أصبح الثائرون امام واقع جديد فشلوا في تغييره وهو انهم سينافسون احمد شفيق وهم مختلفون. لكن البديل الإخواني محمد مرسي لم يكن لديه الكثير من الوقت ليعده فهو مرشح برلماني لا رئاسي ما بقاء الامل لأنصار ابو إسماعيل في القضاء.
حقق مرسي اول نجاحاته. حيث تقدم للترشيح بعدما حله بديع مرشد جماعة الاخوان المسلمين من بيعته فأصبح الرجل خارج الجماعة رسميا [بخلاف ترشيح Sissy مثلا الذي تقدم بزيته العسكرية وهو مخالف لكل القوانين]. لم يترشح المرشد بنفسه لا في المرة الاولى ولا الثانية ولا حتى تحت القبة البرلمانية ولم يسعه لمنصب استشاري حتى [وهم حكم المرشد]. فتقدم مرسي وحقق الفوز بدعم الجماعة الاقوى وبعضا من القوى الاسلامية. لتنهي التيارات الاسلامية خلافاتها في الاعادة وتحسم الامر لصالح محمد مرسي.
بات فوز المرشح "الاستبن" نكسة ليس فقد لقوى الظلام الداعمة لشفيق خاصة الكنيسة ورموز "معارضة" مبارك بل وكذلك للقوى الثائرة التي خسرت مرة اخرى امام التيار الاسلامي. وهنا كان لابد مكن توحد قوى الظلام للنظام الساقط مع القوى الثائر. ورغم فوز مرشحين امثال عمرو الحمزاوي بأكثر من 50% في دوائرهم وامام مرشحي قويين من الاخوان المسلمين الا ان هذا لم يشفع للتيار الاسلامي. ورغم فشل أبو إسماعيل في حسم الأمر مع لجنة الترشيح الا انه على ما يبدو كان لدوره جزء في عدم تجرؤ النظام السابق على التزوير الفج لصالح شفيق.
سارعت القوى الثائرة المعارضة للنظام لاستغلال الامر والضغط على المرشح محمد مرسي قبل اعلان النتيجة. فقام محمد مرسي بما قامت به الجماعة مسبقا لوكن دون استشارتهم لأنه لم يعد عضوا في الجامعة اصلا. فاتفق مع القوى الثائرة على ترك الحكومة لهم وعدم تعيين أيا من رموز جماعة الاخوان المسلمين في مناصب قيادية وقد كان. لكن تلك القوى لم تكن سوى قوى فاسدة ظلامية ارادت افشاله او اجباره على التخلي عن المزيد. ويبدو جليا تدخل الاطراف الخارجية بعنف لا سيما الامارات. حيث رفضت غالب القوى القبول بتشكيل الحكومة. وتدخلت القوى الغربية في الاختيار فكان من ضمن هذه التدخلات اقتراح السفيرة الامريكية للبرادعي ليرأس الحكومة. والاغلب والله اعلم ان الرئيس المنتخب محمد مرسي لم يكن يعارض خاصة ان البرادعي يحوز على دعم كثيرا من رموز الثورة الذي حضروا اتفاق فندق فيرمونت. الا ان تدخل اوروبا ومحاولة فرضه جعلته يرفض لا الشخص لكن التدخل الخارجي. والدليل على ذلك ان البرادعي يعد اكث رمن حصل على دعاوي للمشاركة في تشكيل الحكومة والتشاور في كثيرا من الامور. ويبدوا ان التداخلات الاوروبية مدفوعة بدعم خليجي كانت دفع البرادعي للرفض. فتشكلت الحكومة من شخصية غير حزبية هي الدكتور المهندس هشام قنديل [أصغر وأفضل من ترأس الحكومة المصرية في التاريخ المعاصر]. وقد تكرر الرفض مع د. قنديل كما سبقه مع الرئيس المنتخب محمد مرسي. اذ تهرب واعتذر الجميع عن المشاركة في الحكومة رغم تكرار تصريح د. هشام قنديل عن انه لا يطمع في المنصب وعلى استعداد للتخلي عنه لمن يريد ان يقود. ومن الاسماء التي رفضت د. ايمن نور و د. معتز عبد الفتاح [الذي قاد حملات نقد عنيف للحكومة ولشخص الرئيس] ود. احمد المسلماني وغيرهم. وبات واضحا ان هناك محاولات مستميتة لإفشال الحكومة ورئيس الجمهورية المنتخب لأول مرة.
بصورة اسطورية نجح الرئيس المنتخب ورئيس حكومته في تحقيق ما لم يحدث في تاريخ مصر. من ذلك الدفع بقيادات شابة من جهات واحزاب مختلفة في الحكومة والمؤسسات لأول مرة في تاريخ مصر الحديث. بل استطاعوا تسديد ديون مصر لكلا من اليونان وايطاليا بالكامل [مبالغ صغيرة حوالي 600 و900 مليون دولار لكنها كانت كافية لتجعل عدلي منصور يتوجه لليونان للاقتراض مجددا رغم فقرها]. فكان لابد من تحرك جديد لقوى الظلام وهذه المرة كان لابد من توحد كل أذرع الفساد داخل وحارج مصر. فكان تحرك الحكومة ضد الحكومة والسلطات ضد السلطات.
مع تذكير الاعلاميين الشعب بان الاخوان لم يترشحوا والمرشد رفض المشاركة في الثورة بدأ الترويج الى وهم واكذوبة الاخوان ركبوا الثورة والاخوان باعونا في محمد محمود. وبدأ الوزارات التي فرضت على الرئيس المنتخب من قبل المجلس العسكري باعتبار ان أي تغيير جذري فيه خطر على الامن القومي وان الفترة الانتقالية لم تنتهي. فكان ولاء الوزارات السيادية للمجلس العسكري. وقد اعترف الوزراء صراحة بمعارضتهم ومحاربتهم للرئيس المنتخب محمد مرسي خلال حكمه. بل وبدأوا بافتعال الازمات وتصعيدها. وقد تم مكافئتهم بعد الانقلاب بالاحتفاظ بيهم. وهو ما يؤكد ان الخيارات لم تكن بيد الرئيس المنتخب.
مع كل هذه الصعوبات حدثت احداث بطولية بالفعل. فقد استغل الرئيس المنتخب [وهم فاشل ومتخاذل] محمد مرسي الاحداث [خاصة في سيناء] لصالحه فاجتمع مع المجلس العسكري وطالب بتفعيل قانون التقاعد وحارب من اجل اختيار أصغر الاعضاء وزيرا للدفاع اللواء عبد الفتاح السيسي واعطاه رتبة فريق [وهم بطولة السيسي وحنكته تعيد للأذهان وهم مكر مبارك ومن قبل السادات وهي اوهام الغرض الأساسي منها اخفاء المتحكمين في الخيارات بناة الفساد]. لكن الامر ما لبث ان زاد باتخاذ السيسي قرارات على غرار قراره بشأن الاراضي في سيناء وهو ما يعد باطلا لأنه قرار سيادي لا يحق الا لرئيس الجمهورية "معلقا" وللبرلمان المنتخب [ان لم يكن مجتمعا يعلق قرار رئيس الجمهورية ويعد نافذا للضرورة بصورة مؤقتة حتى يقره البرلمان القادم او يلغيه]. الامر الذي جعل المواجهة بين الرئيس المنتخب والجيش لا مفر منها. وخلال ذلك تمت وقائع الهجوم على السلطة التشريعية متمثلة في القرار الباطل دستوريا وتشريعيا بحل مجلس الشعب. الطريف انه هذه القضية حسمها عبقري القانون الاشهر في مصر فتحي سرور بالقاعدة الذهبية التي نطق بها "المجلس سيد قراره". فلا يجوز لسلطة ان تحل أخرى لأنها ليست جهة انشاء. بل ان الرئيس الامريكي اوباما رفض قرارات المحكمة ثلاث مرات مصرحا ان المحكمة هيئة مهنية لا تنافس الرئاسية والبرلمانية لانتقاء التمثيل فيها. حيث ان كل اعضائها معينين لا منتخبين بخلاف الرئيس واعضاء الكونجرس. صعدت القوى الثورية غير الاسلامية من هجومها مستغلة حرفية الاعلام لديها مقابل انعدام مهنية الاعلام الاسلامي وتحكم رأس المال فيه عالميا.
تطورت المواجهات الى في الشارع وباتت القوى الخاسرة في الانتخابات حليفا قويا لقوى الظلام. ومع ذلك فشلت كل الدعوات والحشود في اسقاط النظام او حتى اظهار انعدامك شعبيته. وكانت الضربة القاسمة في الاستفتاء على الدستور الذي حٌشد ضده كل معارضي الرئيس المنتخب محمد مرسي. فبات ان الرجل باق وان حراك السلمي غير مجدي مع كل هذه المؤامرات. فكانت مواجهات الاتحادية. فبعد تواطؤ الشرطة والجيش مع القوى معارضة للرئيس المنتخب دفعت القوى الاسلامية بأنصارها لحماية الشرعية الانتخابية والدستورية. ورغمن ان كل من سقط كانوا من التيار الاسلامي خاصة الاخوان المسلمين الا ان الاعلام تعامل مع الوضع بخلاف ذلك تماما وحمل الاخوان سبب "سفك الدماء" [اوهام تعذيب المتظاهرين على سور الاتحادية وقتل المتظاهرين بل وتواجد الملايين]. فما كان من الرئيس المنتخب الى ان اجتمع سريعا مع القوى الاسلامية وأعلن ان دمائه (فقط) هي ثمن الشرعية وانه لن يسمح بسفك المزيد من الدماء ولو كلفه ذلك حياته. مما جعل القوى الاسلامية تنسحب الى اعتصامي رابعة والنهصة بل وفضهما [اوهام الرئيس الطاغية والرئيس المتخاذل وغيرها]. وبات واضحا بالهجوم والاعتداء على مقار الاخوان المسلمين انها دعوة صريحة لان النظام بوزاراته السيادية سيساند أي تحرك ضد الرئيس المنتخب [هذا ما صرح به وزير الداخلية المنقلب محمد ابراهيم وآخرين نصا]. صمد الرئيس المنتخب وامتنع رئيس الحكومة عن تقديم استقالته طالما لم يتقدم بديلا له. فكان لابد من تصعيد الامر.
دفعت الجهات الاجنبية كالجامعة الامريكية والقاهرة والمؤسسات الاجنبية مثل P&G وغيرها بموظفيها الى الشارع معلنة انه لا رواتب ولا عمل طالما بقي "الطاغية" في قصره فلا سبيل الا برحيل مرسي. وصمد الرجل ورفاقه وبدأ التحريك بالإعلان عن حقائق تمس رموز الفساد. وبات واضحا ان الرئيس المنتخب يتلقى الضربات بخفة ويستعد لتوجيه ضربة قاصمة للفساد والدولة العميقة. فكانت البطاقة الأخيرة لدولة الفساد فقد استدعى الفساد اقوى أسلحته: المال الخارجي.
اجتمع الرئيس المنتخب مع القيادات العسكرية التي اقسمت ولاء له ورأت ان ما فعله في اشتباكات الاتحادية يعد امرا بطولية وتحيزا لحقن الدماء. لكن الأموال التي وصلت إليهم فاقت ما يمكن ان يتخيلوه خاصة مع تنسيق مع بين شفيق ورموز مبارك ودول الخليج [الامارات والسعودية والكويت] بل ان الامر وصل لقطر [فشل رئيس وزرائها في اقناع الرئيس المنتخب محمد مرسي بقبول الاستثمار باسم العائلة الحاكمة لا شعب قطر الامر الذي أطاح بحمد بن جاسم بعد تنحي الأمير وتولي وليد عده تميم] فتصاعد الضغط عليها لوقع الدعم وكذا ضد تركيا. وصلت التهديدات للتصفية الجسدية كما حدث مع عمر سليمان [صرح بشي مشابه باسم يوسف قبل هروبه لأمريكا حيث تم تهديده واسرته من قبل الدولة المصرية وسبقه سماح أنور وغيرهم] فقبلت القيادات الخيانة وتحرك الجيش في انقلاب عسكري لينهي اول تجربة للحرية على ارض المحروسة في العصر الحديث.
لم يقتل الرئيس المنتخب محمد مرسي أحد او يأمر بقتل أحد ومع ذلك كان "طاغية". لم يتسلم السلطة التشريعية وفضل تسليمها لمجلس الشورى واحترم حكم المحكمة الباطل اقرارا بمبدأ عدم التدخل في القضاء ومع ذلك هو "ديكتاتور"؟ لم يحدث تطور في الاقتصاد رغم كل المعارك التي دخلها ومع ذلك فهو "فاشل"! أسس النيابة الثورية ويغير النائب العام واوقف الدستورية العليا ومرر الدستور وغيرها ومع ذلكم فهو "متخاذل"!
ما تقدم تحليل يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ لن الفيصل هو كم من الاحداث يتوافق مع هذا التحليل. كلما كان التحليل مفسرا لعدد أكبر من الاحداث كلما كان أقرب للقبول.
اما الاوصاف بغير علم وبناء على قناعات واوهام وافتراضات فلا أصل لها
والله أعلم وأخبر