(رحبا وسعة بك أيها الدكتاتور.. ولتبقى الى الأبد بعصاك الغليظة..؟
في ظل الوضع السوري الغريب الأطوار بكل مآسيه وتغريبه واسوداده وفوضاه التي فاقت الانفلات بأشواط بعيدة بحيث حل أكثر من ديكتاتور هنا وهناك وكلٌ يقول أنا السيد الأوحد وبيدي صولجان العرش الاعلى.
في ظل هذا الوضع وأينما تذهب ترى دكتاتورا أرعن يقود مليشيا أو يمتطي تيارا أو يعتلي ظهر حزب غارق في التبعية لايبصر سوى منافعه ولايعرف شيئا عن الديمقراطية الا في همهمات لسانه وتهويمات عقله.
هنا في بلادي بعد أن سُدّت كل منافذ الحل والخلاص مازال يتطلع جموع من أبناء شعبي ممن أصابه اليأس والاحباط بسبب انقطاع حبل الأمل. الأمل الذين استمسكوا به وهما وخديعة تماما مثلما كان فولتير يؤمن بأن الاستبداد المنير كما كان يسميه قد يكون بارقة وضوءا كاشفا للخلاص من هوّة ظلماء حشر فيها الناس حشرا في كي جهنم كان يسمى وطنا وملاذا .
قد يكون فولتير محقا ورأيه عين الصواب حينما يفقد ثقته بالديمقراطية ويهجسها أنها تشيع الحماقات والسوءات اذا مسك زمامها معتوهو السياسية والغوغاء وأخلاط الاثنيين والموتورين والنرجسيين من ضيقي الأفق الذين لايتطلعون الى آفاق الحلول ومدارج التقدم والنهوض.
قديما صرخ الاغريق كل الاغريق بملء أفواههم حينما عاثت الكليبتوقراطية (لصوص السياسة) ببلادهم فسادا ونهباوهم الذين أسسوا الديمقراطية مرتعا جميلا للحياة السياسية والاجتماعية وتمنوا مرغمين حتى أسافل القوم وأكثرهم وحشية وهمجية كي يحكموهم وذلك في صرختهم المدوية: "تعالوا أيها البرابرة الأوغاد الأسافل فلتنقذونا من هؤلاء اللصوص الماكرين"
حقا كانت دعوة ونداء الاغريق صائبة فلابد من منقذ يجئ لينتشل الملأ المنهك في بلاد غرقت بفوضى النهب والانفلات وشر الزمان حينما يجتمع الرعاة والراعي على شرعنة الدم واعتباره حنكة وجرأة وبطولة مثلما يحدث الآن في بلادي التي يتوزعها الدنيء والبذيء والجاهل والسافل وترخص فيها الضمائر وتتدنى السرائر وينعدم فيه الحياء ويتفاقم الرياء وشيوع الجرائم المنظمة (الخطف والقتل والابتزاز المالي والسطو المسلح وقطاع الطرق.. الخ..
ومن البداهة اذا أردت أن تطيح بوطنٍ وتعيقه فما عليك الاّ أن تثقله بالحروب الداخلية والديون معا مع ضياع الأمل بالخلاص وفي هذا الحال المزري يبدأ التعلّق بمنقذ ولو كان وهما وربما عدوا آخر أخف وطأةً لعلنا نجد مستبدّا مستنيراً بدلا من حلكة الظلام الدامس الطاغية فينا.
فهل كان لزاما علينا أن نستجير بالطغاة والدكتاتورية والعساكر المنفوخين بالبطولة الزائفة لنتخلص من لصوص السياسة الذين افرغوا بلادي من كل ثرواتها وجعلوها تستجدي ديونا مرهقة ستثقل كاهلها أمدا قد يطول حتى الأجيال اللاحقة؟؟
أنا عن نفسي أجيب بملء فمي : نعم فالرمضاء أهون كثيرا من النار التي نكتوي بسعيرها الآن وأحيانا لابد لنا من طغاة حتى نبرر حاجاتنا التوّاقة الى الحرية. حرية الخلاص المؤقت من كل اللصوص والساسة والرعاع .
اذا ما الذي يفعله شعب مثل شعب بلادي بعد أن فعل مافعل دون أن يلمس أيّ تغيير أو اصلاح أو تحريك الى الامام حتى ولو قيد أنملة سوى أن يلوذ بما يتخيله منقذا وناجيا ونوحا عاصما من فيضان الدماء واتساع الموت وانتشار أجواء الكراهيات المذهبية والعرقية بكل روائحها المقيتة. ومن يوقف الفوضى العريضة والانفلات على القانون الذي يداس الآن بالأحذية سوى حاكم جائر يمارس دكتاتوريته بكل ما أوتي من قوة ليسلّط سيفه وسوطه على رقابنا وظهورنا .
فـ (رحبا وسعة بك أيها الدكتاتور.. ولتبقى الى الأبد بعصاك الغليظة..؟