profile image
by ziad19189
on 16/11/22

#الثوره_اللي_بجد

هل يستطيع هزيل الجسد، وهش العظام، وخاوي البطن، وضعيف القوام أن يثور؟

هذا هو السؤال الذي يحفظ أجابته الغرب قبل الأنظمة التابعة له في أوطاننا العربية.

الجائع لا يبحث إلا عن قوت يومه، ولا ينظر إلى الغد، وكل هدفه في الحياة، هو أن يستمر في الشهيق والزفير حتى لا يذوق ألم الموت.

إنها الصناعة الجديدة التي يتقنها الغرب، وذيوله في أوطاننا وتقودهم إلى كراسي السلطة ونهب الشعوب، وكسر أنوفهم، كي لا يفكروا في الثورة عليهم، ويزحزحوهم عن عروشهم.. إنها صناعة الجوع.

ومن يظن أن العالم غير قادر على إطعام الجوعى والقضاء على الفقر مخطئ، فأميركا بمفردها تستطيع باقتصادها الضخم الذي يتعدى ناتجها المحلي 17 تريليون دولار سنوياً، حسب إحصائية معهد "أميركان إنتر برايس"، أن تسد جوع عشرات الملايين من جوعى العالم البالغ عددهم 1.2 مليار جائع، حسب احصائيات البنك الدولي.

ودول مجلس التعاون الخليجي الغنية بفوائضها النفطية والتي تستثمر أكثر من 10 تريليونات دولار في مختلف دول العالم، تستطيع أن تساهم في سد جوع الملايين، وكلنا تابعنا كيف دعمت العديد من دول الخليج الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي، ودفعت له أكثر من 20 مليار دولار في غضون 10 أشهر فقط.

بل والأكثر ألماً، هو تعمد دول الغرب إتلاف فائض الأغذية، وإلقائها في البحر، كما تفعل أميركا مع ملايين الأطنان الفائضة من القمح، أو إلقائها في القمامة كما نرى في العديد من الدول الأوروبية.

فعلى سبيل المثال، يؤكد تقرير حديث بأن الدنمارك تلقي أطعمة وأغذية تقدر بنحو 540 مليون دولار سنوياً في القمامة، بدلاً من أن تقدمها للجائعين لكي يسدوا بها رمقهم.

وإذا تحولنا إلى منطقتنا العربية سنجد أن الأنظمة الديكتاتورية تلعب دائماً على الملف الاقتصادي، فهم يروضون شعوبهم عن طريق إلهائهم ببطونهم، وجعلهم يعيشون على الكفاف حتى لا يتطلعوا إلى أهداف أخرى، حتى لو كانت حقوق أساسية مثل الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية.

وإذا دققنا النظر في ثورات الربيع العربي، سنجد أن من ثاروا ليسوا من الفقراء، بل كانت الثورة الأولى التي كسرت حائط الديكتاتوريات العربية هي تونس، التي يعيش سكانها في مستوى مادي معقول، فكانت ثورتهم طلباً للحرية والكرامة والعدل، وليس لسد جوعهم.

ثم تبعتها ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر، التي خلعت كبير الفراعنة في مصر حسني مبارك، بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل الشباب، لا بفضل الجياع، وهذا أيضاً ما حدث في اليمن حيث قاد الشباب ثورتهم.

وأيضا انتقلت الثورة إلى ليبيا الدولة النفطية الغنية، فأطاحت ديكتاتوراً حكم بالحديد والنار أكثر من 40 عاماً.
وسوريا ذات المستوى المعيشي المتوسط، اشتعلت ثورتها ولم تهدأ على الرغم من حرب الإبادة والتجويع التي تمارسها مليشيات، بشار الاسد.

ولا يعني ذلك أن أحد أهم أسباب اندلاع الثورات العربية، هو تدهور الاقتصاد والبطالة والفقر، ولكني أتحدث هنا عمن قاموا بالثورة، ومن لديهم القدرة على مواجهة الأنظمة الفاسدة، وعن أحد أهم أهداف الثورة، وهي طلب الحرية لأن العبيد الجوعى الذين في حاجة دائمة إلى أسيادهم لا يثورون.

نعم .. الثورة لا يقودها الجياع المنهكون.

الثورة يقوم بها الأحرار الأقوياء المؤمنون بقضيتهم، ثم يتبعهم الجياع الذين يشعرون أن الثورة ستحقق مطالبهم.

نعم .. أنا لا أؤمن بثورة الجياع .. فالجياع المنهكون لا يفكرون إلا في رغيف الخبز.

وحتى إذا ثاروا، فإن ثورتهم ستكون فوضوية لا تهدف إلا للحصول على الطعام والشراب، وليس بناء أوطانهم وإزاحة الفاسدين.

ومع أن الجوعى لا يقومون بثورة إلا أنهم من أكبر المخاطر التي تهدد الثورات، ورأينا كيف يساهم الجوعى في تعثرها في مصر على سبيل المثال، إذ لعب الانقلاب، الذي قادته قيادات عسكرية ورجال أعمال ينتمون الى نظام الرئيس المخلوع مبارك، على وتر الأزمات المعيشية مثل البنزين والسولار والخبز، وهو يعرف أن نسبة الفقر في مصر تبلغ أكثر من 42% حسب إحصائيات البنك الدولي، والانقلاب العسكري، هو من تسبب فيها أصلاً.

فحرك الانقلاب جيوش الفقراء والجوعى في مظاهرات حاشدة اتجاه المكان نفسه، الذي شهد أعظم ثورة في تاريخ مصر، وهو ميدان التحرير في 30 يونيو/حزيران الماضي.

ولعل الغرب بمكره يشارك في تحريك الملف الاقتصادي يميناً ويساراً من أجل القضاء على الثورات في مهدها، مستغلاً حالة الفقر التي أصابت المجتمع العربي، وللأسف هو من يملك مفاتيح حلها، فهو من لديه القمح، وثروات الخليج والعرب المنهوبة، والقوة والغلبة من خلال حضارة بناها على أجساد فقراء العالم.

على كل الثوار الأحرار في عالمنا العربي أن يواصلوا معركة الوعي مع شعوبهم، لكي يكسبوا مزيداً من الأنصار لثورات يريدون سحقها على أعتاب عروش جديدة يخططون لبنائها على أنقاض عروش أسلافهم الزائلة في ليبيا ومصر واليمن وتونس.

وعلى الثوار أن ينتبهوا إلى صناعة الجوع، التي أجادها الغرب وأنظمته الديكتاتورية في منطقتنا العربية، لكي يواجهوها بصناعة جديدة وهي صناعة الوعي.