profile image
by aaalasiri
on 1/3/23

مملكة الذاكرة


مملكة الذاكرة
مدينة المطر والأرواح المبلّلة
العنوان :
قلبه .. وحدها القلوب عناوين ثابته
الرمز البريء بيدي :
آثار جرح للشقاوة .. يمتدّ مسافة تحسس .. تتسع لتسريب الحنين عبر ثقوب الزمن


رجاءُ لسحابة :
تصل لطهر المطر ..

هذا الصباح .. يحمل عنوان هزيمتي ..
وجوه الراحلين غزت أرض ذاكرتي ..
سحابة تبكي في الخارج الآن .. وأنا أعترف .. بأنني لم أخلع وجه الحزن قبل أن أفتح النافذة ..

صغيري ..
صباحك معطّر بأشياء رائعة .. لم تكتشف أسرار روعتها
بعد .. بالجنة تارة ..
وبدعاء أمي تارة ..
وبآمين المساجد تارةً أخرى ..

حاولت ياصغيري .. حاولت كثيراً .. ولكن ..
لاتخضيبي ليديّ بملامحٍ لك .. تطل من صورةٍ .. رمتها يدُ الفوضى .. في طريق ذاكرتي ..
ولاترديدي لترانيمك الأعذب من عزف عصافير الفجر ..
لاهذا .. ولاذاك .. ساعداني على أن أكون أنت .. ولو لبعض نقاء ..

وهاأنا أصل لك .. أصل لك متأخرا ياصغيري ..
كجوائز تكريم الموتى .. كموت الطغاة .. ( سأبتلع غصة تكومت في حلق ذاكرتي .. ثم أكتب ) .. وكالحقيقة .. تماماً
سامحني ياصغير ..
طريقي كانت مزدحمة بأجساد الأحلام الكاذبة ..
وأبي أوصاني أن لا أتجاوز أحداً في طريقي .. لذا وصلت متأخرا ..

كيف أنت هذا الصباح ؟
سحابةُ في الخارج تخبرني .. أن الخير مطرٌ يهطل بحضورك ..
أنا سأخبرك بدوري أن .. سحابة .. أنثى كانت تسكن صدري .. ولكنها لم تحتمل القضبان .. حتى وإن كانت لصدر .. همسَت لأنفاسي وداعاً .. وحلّقت نحو السماء

ألا زلت تكره يوم الاحد ؟
ألا زالت ابتسامتك لسببٍ ما .. أجمل ظهر الخميس ..
كم جميلٌ أن تبتسم الصور ياصغيري ..

أتدري ياصغيري .. هذا الصباح أعلنت نفسي منطقةً منكوبةً بفيضان الذاكرة ..
ممتليء بالفقد جداً ياصغيري ..
هل تعرف الفقد ؟؟
حسنا سأخبرك ..
هو كذلك اليوم الذي أضعتَ فيه يد أمك في الزحام .. ربما كنتَ في الخامسة حينها ؟ .. أتذكر حين رميتَ عينيك سنارة اصطياد لخير أمك
في كل مرة تسحبها من صدور وكفوف الأخريات يردد ضياعك :
لا .. لا.. صدر أمي أكثر اخضرارا من هذه ..
لا .. لا .. كف أمي أكثر تلبداً بالغيم من تلك ..
وعندما أعياك البحث .. تهاوت قدماك .. وامتلأت عيناك بغيمتين حزينتين .. وثمة ندم ينهش صدرك على قطعة الحلوى التي لم تقتسمها مع أمك البارحة ..

مليء أنا بهذا اليوم / الفقد .. ياصغيري
مليء به كشباك صيادين فقراء .. ذهبت مكدّسةً بوجوه أطفالٍ .. وضعها أباؤهم رشوةً للبحر .. ولأن البحر لايقبل بغير الجثث رشوة ..
عادت خاوية ..

ثمة وجوه تتعلّق بذاكرتي .. تعلّق ( أمي ) بشفتي طفلٍ .. يهذي من الحمى ..
أفتقد ابي .. أفتقدني .. أفتقد قلبك ياصغيري ..
أفتقد التفاصيل الصغيرة .. وعلبة الألوان التي تلّون بها الدنيا .. لم أعد أمتلك مثلها .. وصباحاتي أصبحت باهتةً ياصغيري ..
أحتاج لتلّوينها .. أو لتلوين عينيّ المعبأتين برماد الذاكرة ..

لن أسألك كيف هو ابي .. الخير دائما يكون بخير ..
ولكن .. حين يأتي على شاكلة الفجر ..
لأجل الله ياصغيري ..
احتضنه طويلاً .. وقبّل رأسه ويديه .. وقل له .. هذه عن عارف ..
لابأس أن تبكي ياصغيري .. أعتبر بكاءك ديناً .. أعدك أن أسدده كاملا يوما ما .. فلدي من الأحزان فائض ..
قل له أيضاً أن خطواته إلى المسجد لازالت مضيئة .. وأنني أخطو عليها كل فجر ..
أخبره أن نخلته تفتقده .. وأنها لم تعد تساقط الخير .. أصبحت تحترف الانتظار .. حزين هو النخيل الذي لايثمر الا انتظاراً ..

سيحدث ياصغيري في يوم تبكي فيه سحابة .. أن تثمر أغصان الفقد في كفك حنظلةً مرة .. يغصّ بها حلق فجرك المنتظِر .. فتبكي المرار :

مقبض الباب بارد ..
لمسته بعينيّ قبل قليل ..
مقبض الباب بارد ..
وأنا أدفّيء الأغطية التي أحتضنها بترقبٍ مشتعل .. وأتظاهر بالنوم

بعد قليل ..
سيوقظ ابي " الفجر النائم " .. ويوقظني معه لأصلي ..
بعد جميل ..
سأدعي أني مكبّلٌ بالنعاس .. من أجل أن يتدخل ابي .. ويفك أغلالي
بمفتاح اسمي ..
هكذا .. يدسّه في أذني .. ويديره برفقٍ أكثر من مرّة .. حتى يسمع تكّة قلبي ..
هناك .. حيث أسراب الحمائم تتأهب للانطلاق .. كما أحلامي الصغيرة تماماً ..
لاأدري لماذا أتظاهر بالنوم .. ربما لأن اسمي يكون أجملَ بصوت ابي الآتي من بعيد ..
بعد صهيل ..
لاأدري لماذا سأشعر بالعطش حين تبكي سحابةٌ في لحية ابي
يحدث كثيراً أن يتوضأ الماء بابي ..
وحده ابي يفهم حكمة البلل .. وأنها دموع توبة

لا.. لا .. يامؤذّن .. ليس بعد ..
لا .. لا .. يامؤذّن .. دع الفجر ينام قليلاً .. فقد سهر ليلة البارحة يرتشف أكواب انتظاراتي .. حتى ساعة متأخرة من حنيني ..
وحده ابي يعرف الوقت المناسب ..
وحده ابي يعرف كيف يوقظ الفجر .. دون أن يفزع أحلامي ..

مقبض الباب .. أسقط معطف الدفء لأمنياتي ..
ويد النهار أضاءت مصباح الشمس مبكراً .. وخانت ابي ..
مقبض الباب .. استحال شتاءً ..
وأمي تشرب " لماذا " المسكوبة في عينيّ حدّ الفيض .. قهوةً مرّة ..
وتخبرني ..
أن ابي بشر ..
يحدث أن يتعب كثيراً .. فيحتاج نوماً طويلاً ..
يسميه الذين لايفهمون سرّ تكسّر الزجاج في عيني الطفل اليتيم ..
يسمّونه .. موتاً ..

سيحدث يوماً ياصغيري.. أن تعرف ..
أن القلوب الصامتة .. قلوبٌ تقول الحقيقة


سحابة لازالت تبكي ياصغيري ..
والمؤذن قرر أن الفجر سيأتي هذه المرة أيضاً ..

هذا الفقد لمّا ينتهي بعد .. ياصغيري ..
ثمة ربما تقول .. إنه لم يبدأ بعد ..
سيخبرك القادم من الأيام أن الذاكرة أنثى ..
لذا احفظ هذا التاريخ جيداً ..
( يوم رداءة الحظّ / شهر المنتصف من حدّة الحلم / عام الانهيارات )
هل طلبت منك أن تحفظ التاريخ ..
كم أنا آسف ياصغيري ..
التاريخ يكتبه أولئك الذين شنقوا الوطن .. لذا لاتهتمّ كثيرا بحفظه ..
سيحدث ياصغيري .. أن يمدّ قلبك ذراعيه للحب .. كرضيعٍ يحبو نحو الاكتشاف .. حين فاجأه الوطن في صدر أمّه ..
سيحدث أن يشير الوقت عندها إلى الرائعة وحقيقتين :
الأولى : أنّها أجمل نساء الأرض
الثانية : أنّها تحضر ولاتغيب ..
سيحدث أن يكون للصباحات طعم السكر .. وللمساءات عينان من سهر ..
سيحدث لسبب ما ..
أن تحمل الأشياء ملامحها .. لتكون أجمل .. مما كانت عليه قبلاً ..
سيحدث أن تسكن كفك أرواح ألف شاعر ..
يكتبون لرحيلها :
والرحيل حضورٌ وغياب ..
كنتِ أنت ِ ولم أكن .. وضمائر التواجد تنفصل عني .. لتتصل بكِ ..
ولانقطة آخر السطر بعد اسمك ..
والأصدقاء أعداء ذكرى .. نهرتهم ذات " أنت ِ " .. فابتسموا ..
ويكتبون لحضورها :
أميرتي اليوم لن أقطف الورود .. ولن أدعهم .. أخبرتهم أنك حين كنت صغيرة كنت تحلمين بأن تكوني وردة ..
ولأنه ليس من حق الأحلام أن تحلم .. من حقها أن تتحقق فقط .. أخبرتيني اليوم عن فراشات حطّت على خدّك الأيمن ..
سأخبرهم أن لايقطفوا الورود .. أخشى أن تكون إحداها .. حبيبتي

حسناً ياصغيري ..
سحابة الآن توقفت عن البكاء ..
هي تعرف أن بعض الأحزان يكون معها البكاء فعل ابتذال ..
هل تذكر ياصغيري ؟
ذاك الصباح الذي استيقظت فيه على شاكلة النور ..
كان ثمة قفص .. بباب مفتوح ..
وطيرٍ وحيد .. كان بالأمس يعقد مواثيق الوفاء مع آخر .. تغاريد حالمة ..
تُرى ياصغيري .. كم يلزمك من الألم .. لتدرك أن الراحل ..
كان أنثى ؟؟؟

سيتبقى لك منها .. ذاكرة .. وجرح لايبرأ .. ليس إلا أنه منها ..
وأشياؤها .. يجب أن تبقى كما هي ..
سيبقى لك أيضاً كوب قهوة ..
سيحدث يوماً .. أن يرتشفك حتى آخر قطرة حنين ..
في صباح مبللٍ بالفقد .. تسمع من شمسه قصة الطين الذي خانه الطين .. فجفّ ..
( أقسم إنها ليست كتلك القصص الجميلة التي تحكيها لك امك )
الوقت .. سيكون قريباً من موت ..
ستتذكر صباحات السكر .. وصوت كان من عادته أن يأتي ليخبرك كم أنت رائع ..
لن تفعل شيئاً ..
فقط .. سيحدث أن تتحسس جرحك قليلاً ثم تكتب ..
صدري مأتمٌ يا أنتِ ..
ياخطبة التأبين المزيفة .. يليق بكِ جداً أن تضحكي الآن بتشفٍ ..
أقسم ألا داعيَ لانتظار رحيل جموع الوجوه الحاضرة ..
فكلّهم .. يحملون ملامحي ..

سيحدث أن تعود سحابة في الخارج للبكاء ..
هي تعلم أيضاً أن بعض البكاء فعل اعتياد لمراسم دفن جثث الحب الميتة
حينها فقط .. ستفسح مكاناً لكوب قهوة على شاكلة ذاكرة
وستكتب :

كوب القهوة دافيء ..
لمسته بذاكرتي قبل قليل ..
كم غريبٌ أن يكون دافئاً والفراغ مسكوبٌ في جوفه ..
أحبّه كثيراً هذا الكوب .. يشبهني كثيراً هذا الكوب ..
وحيدٌ .. وفارغ .. فارغٌ تماماً ..

كوب القهوة دافيء ..
حسناً ياكوب .. لن أنتظر صباحات السكر ..
سأشرب ذاكرتي مرّة خالصة ..
تماماً كما يجيد تحضيرها نادلٌ اسمه " رحيل" في مقهى الحزن
حزني مريضٌ جداً .. ويحتاج أن أسهر بجواره هذه الليلة ..

كوب القهوة دافيء ..
دافيء وأزرق .. كالبحر .. ..
الآن ( فقط ) فهمت .. لماذا يحدث كثيراً أن أغرق في كوب القهوة ..
الآن ( أيضاً ) فهمت .. لمَ حين أقبّله بشفتي .. يعلق بهما طعم الملوحة ..
أن المطر المالح .. هو ابن بحرٍ .. تأملته شمس الذاكرة طويلاً ؟؟

كوب القهوة دافيء ..
كان حزيناً ليلة البارحة .. لذا ..
وعدته .. حين يأتي صباحي بلا وجه حبيبةٍ على شاكلة وطن ..
أن أشتريَ كوباً آخرَ .. وأضعه بجواره ..
في محل الأكواب .. كان البائع يسألني .. بأي لون تريده ..
وكانت ذاكرتي تجيب :
" الأحمر .. "
في المساء .. كان الكوب الحزين قد رتّب الفوضى على سطح المكتب ..
فرحاً بالقادم الجديد ..
وضعت الكوب الأحمر بجواره .. توسّدت ذاكرتي .. لحّفت عيني بغطاء الظلام البارد .. متجاهلاً صوت قبلة ..
في الصباح .. كان الكوب حزيناً .. وثمّة بقايا للبكاء في قعره ..
حين سألته عن الآخر .. اكتفى بإشارةٍ نحو النافذة ..
صفعت جبيني بكفي وأنا أتمتم ..
" تباً لي .. تباً لي .. كيف لم أنتبه لنقش الحقيبة على ذلك الكوب "
في محل الأكواب .. كنت أطلب من البائع ..
" أريد كوباً لايحمل نقش حقيبة هذه المرة " ..
وكان هو يجيب .. وأنثى تطل من شرفة عينيه ..
" ولكن .. كل النساء يحببن حمل الحقائب ياسيدي "

ستستيقظ كل صباحٍ ياصغيري على وجه ذاكرتك ..
لن يكون ثمّة سكّر .. ستشرب قهوتك مرّةَ بطعم الفقد ..
الصف الأخير مكان سيليق بحزنك كثيراً ..
المطر .. سيكون وقتاً مناسباً للبكاء .. لن يكون عليك سوى تزوير ابتسامة صغيرة .. والوقوف تحت سحابة ..
ستعتاد ذاكرتك تدخينك كل ليلةٍ .. بشراهة رجلٍ يائس .. قيل له أنه سيموت قريباً .. فأدرك أن الموت لا يدرك موتاً ..

ماذا أيضاً ياصغيري ..
آه نعم ..
سيحدث يوماً أن تمتليء بالفقد ..سترمي لك يد الفوضى بصورةٍ.. وبقلمٍ لا ممحاة له .. يدعى قلم الذاكرة ..
ستكتب رسالة بحبر الضياع .. للأجمل منك .. ابن العاشرة

التوقيع :
أنت .. حين تبلغ الرائعة والـ....
موتـــــــــاً